languageFrançais

المرأة العاملة في الفلاحة..قصّة كفاح يومي

استقبلت زهيرة خليفي، 28 سنة، العاملة في مجال الفلاحة يوما جديدا بملامحها الشّاحبة و بجسدها المنهك، قبل بزوغ الفجر. 

 

رتّبت بعض شؤون منزلها المتواضع في منطقة أولاد خليفة من عمادة الزّارة التّابعة لمعتمديّة سبيطلة من ولاية القصرين و الواقعة بين جبلي مغيلة و السلّوم، ثمّ حملت طفليها إلى بيت جدّتهما التي سترعاهما طيلة اليوم  قبل أن تتوجّه  زهيرة إلى العمل في حقول ولايتي القصرين و سيدي بوزيد.

 

 لم تختر زهيرة _ككلّ سيّدات المنطقة_ العمل في مجال الفلاحة، وإنما اضطرت إلى مزاولته في ظلّ غياب مواطن شغل أخرى  قادرة على استيعاب البطالة المنتشرة في الجهة و بعد عجز زوجها توفيق عن توفير ضروريّات عائلته بمفرده.

 

 تتسلّل ككل يوم بين شعاب الجبل إلى أن تصل إلى مكان ربوض شاحنة صغيرة تقلّ أكثر من عشرين شخصا من المنطقة لجني الفلفل بإحدى الضيعات الواقعة على بعد 15 كيلومترا.

 

 تحدّثت زهيرة مرارا قبل و أثناء وبعد انطلاق رحلة العمل المحفوفة بالمخاطر ،عن قصّة الكفاح اليومي للنّسوة العاملات في قطاع الفلاحة مقابل 12 دينارا لا تكفي لتغطية كلفة ما تحتاجه العائلة من ضروريّات بسيطة.

 

 كان الصّندوق الخلفيّ للشّاحنة الذي جمع الرّاكبين في رحلتهم السّرمديّة محلّ نقاشات عديدة بين نسوة ينتمين إلى أجيال مختلفة لم تجمعهن إلّا مأساة عميقة تتكرّر في كلّ يوم عمل.

 

عاملات دأبن على التّنقل منذ عقود بالطريقة نفسها فقوّست هذه المهنة ظهورهن ونال منهن المرض، لكنّهن يدركن جيّدا أن الاستكانة للرّاحة تعني حتما عدم قدرتهن على توفير لقمة العيش، وهو ما صرّحن به.

 

 لم تتجاوز مطالبهن سقف الممكن في تصريحاتهن لموزاييك و قد اقتصرت في مستوصف يتعالجن فيه و ماء صالح للشّرب يخفّف من إنفاقهن على صهاريج الماء التي تساوي أضعاف أجرتهن بين الحقول والضيعات و مدرسة تحتوي أحلام أبناء المنطقة في مستقبل أردنه لا يشبه ما تعيش على وقعه بلدتهم الجبليّة الصّغيرة التي تحتوي على أكثر من 1500 متساكن .

 

 يستحضرن في تصريحاتهن بحسرة حادثة السبّالة  بعد أشهر قليلة  من وقوعها، لكن تلك الفاجعة التي أدّت إلى مقتل 12 من العاملين  في المجال الفلاحي جلّهم من النّسوة لم تمنعهن من ركوب المخاطر مجدّدا للمحافظة على الحدّ الأدنى من كرامتهن عبر عمل أعياهنّ . الأطفال بدورهم يتشكّون من واقعهم.  ففيهم من انقطع عن التّعليم لمشاركة العاملات مشاقّهن و آخرون يعملون باليوم أو بالسّاعة لتوفير مصاريفهم البسيطة التي عجزت عائلاتهم عن توفيرها، عوض إعدادهم لفروضهم.

 

 بعد أن توغّلت العربة التي تقلّ عاملات الفلاحة في مسالك طويلة لمدّة تناهز السّاعة بلغت الضّيعة بعد أن كان البرد قاتلا في صندوق العربة الخلفيّ مع تدفّق  الهواء الذي جمّد الدم في عروق العاملات طوال السّفرة ممّا أجبر زهيرة و بقيّة زميلاتها على إشعال الناّر في الحطب بمجرّد وصولهن للتخلّص من رواسب البرد الذي رافقهم من منذ ساعات صباحهن الأولى. يتناولن وجبة خفيفة على عجل ثم ينغمسن في عملهن في الحقول لساعات طويلة قبل موعد الغداء الذي يعتبر استراحة المحاربات بعد انجازهن لعمل لا تتوفّر فيه أدنى الحقوق الإنسانية .

 

تحدّثت درصاف،23 سنة، لموزاييك عن ظروف العمل و انقطاعها المبكّر عن الدّراسة هي و شقيقتها من أجل مساعدة والدتهما، و اليوم ثلاثتهن يتنقّلن سويّا في العربة و يتقاسمن مشاقّ العمل في الحقول. درصاف أكّدت أنها و بنات المنطقة مخيّرات بين العمل في مجال الفلاحة أو التّنقّل إلى إحدى المدن الكبرى للعمل كمعينات منزليّة.

 

لم تتجاوز مدة الراحة نصف السّاعة  لتعد العاملات إلى حقل الفلفل الرّطب جرّاء تهاطل الأمطار وتغصن مجدّدا  في عمل لا ينتهي إلا في حدود السّاعة الثانية بعد الزّوال.

 

 يكدّسن ما جمعنه من فلفل في أكياس كبيرة يتسلّمها الفلاّح الذي سيقوم ببيعها إلى التّاجر.

 

 الفلّاح بدوره عبّر في تصريحاته لموزاييك عمّا يعانيه من متاعب و صعوبات قبل الإنتاج و بعده،  وخصوصا عن الثّمن البخس لبيع منتوجه الذي يغطّي بالكاد مصاريف الإنتاج، و لا يسمح  بتحسين ظروفه ولا ظروف العاملات في حقله.

 

 كما اشتكى من غلاء مستلزمات الفلاحة و من المضاربين و المحتكرين الذين يتحكّمون في أثمان المنتوجات الفلاحيّة بالنسبة للمنتج و للمستهلك على حدّ السواء .

 

تتوجّه العاملات في نهاية يوم عمل  نحو مكان  الشّاحنة التي ستعيدهن إلى قريتهنّ بعد أن أخذ منهن التّعب نصيبا كبيرا، و في انتظار قدومها، يجلسن فوق الأرض التي انغمسن في خدمتها منذ الفجر بأياديهن التي جرحت فحُفرت فيها قصّة كفاح يومي للمرأة العاملة في الفلاحة و بوجوه ذابلة من مشاقّ رحلة تكون فيها الموت أقرب لهن من الضّيعة أحيانا، و بعيون حالمة بمستقبل أفضل لا ينتظرن منه إلّا حقوقا بديهيّة بسيطة.

 

بعد رحلة استمرّت ساعة داخل الشّعاب، نزلت زهيرة من صندوق العربة الخارجيّ و ترجّلت في قريتها.

 

و بعد أن ارتمى ابنهما في حضنها سألها ماذا جلبت له معها. فردّدت :" جبتلكم الخبز ." ، وهو كلّ ما عادت به من رحلتها اليوميّة.

 

 و كم وددت أن أقول لذلك الطفل أنّها تحمل له معها يوميّا الكثير من الإرادة و النّضال و الكرامة.

 

 

عمل صحفي:برهان اليحياوي. 

مونتاج:شمس